

- الخميس ٢٠ مارس ٢٠٢٥
- انشاء مشروع
ما هي منظمة القرميزية ( Teal Organizations )
المقدمة
على مدى العقود الأخيرة، شهدت نظريات الإدارة والتنظيم تطورات جذرية تتجاوز النماذج التقليدية، لتقديم أساليب أكثر مرونة وتكيفاً مع بيئة الأعمال المتغيرة. من بين هذه النماذج البارزة، نجد المنظمات التيل (Teal Organizations)، والتي تمثل مرحلة متقدمة في تطور الهياكل التنظيمية. يعتبر كتاب "Reinventing Organizations" لفريديريك لالو (Laloux, 2014) المرجع الرئيسي الذي عرض مفهوم المنظمات التيل، حيث يُظهر كيف يمكن للمؤسسات أن تعمل بنظام أكثر إنسانية وتعاوناً مع توازن بين الذاتية والابتكار.
يهدف هذا البحث إلى استعراض مفصل لنظرية المنظمات التيل، مع تحليل كيفية تطبيقها عملياً، من حيث النتائج والتجارب السابقة. كما سيتم تناول النماذج المتاحة وكيفية استفادة العملاء في شركة "جوجان" من تطبيقها لتحقيق مخرجات أفضل وبيئة عمل محفزة للابتكار والإبداع.
مفهوم المنظمات التيل
تعريف المنظمات التيل
المنظمات التيل هي نمط جديد من الهيكل التنظيمي يقوم على ثلاثة مبادئ رئيسية:
- الذاتية (Self-management): حيث يتم توزيع السلطة واتخاذ القرار بين الموظفين دون الحاجة إلى هرمية تقليدية.
- الهدف التطوري (Evolutionary Purpose): حيث تضع المنظمة هدفاً يتغير ويتطور بشكل مستمر وفقاً للظروف المحيطة والتحديات المستقبلية.
- الكمال (Wholeness): وهو مبدأ يشجع الموظفين على إظهار جوانبهم الشخصية والحقيقية، مما يساهم في خلق بيئة عمل متكاملة وشفافة.
تم تطوير هذا المفهوم من خلال تجارب عملية وملاحظات حول الشركات التي تجاوزت النماذج التقليدية للإدارة، مما ساعد على الوصول إلى نموذج أكثر توافقاً مع متطلبات العصر الرقمي والمعولم (Laloux, 2014).
السياق التاريخي والتطور
بدأت فكرة تطبيق مبادئ المنظمات التيل في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع ظهور نماذج تجريبية في شركات تكنولوجية وشركات ناشئة. هذه التجارب جاءت كرد فعل على القيود الصارمة التي فرضتها النماذج التقليدية والتي غالباً ما كانت تؤدي إلى ضعف الابتكار وبطء اتخاذ القرارات. لاحظ الباحثون والممارسون أن النماذج الهرمية تعيق الإبداع وتقلل من روح المبادرة بين الموظفين (Ruiz, 2015).
منذ نشر كتاب "Reinventing Organizations" في عام 2014، شهدنا تبني عدد من الشركات لمبادئ التيل، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والخدمات المهنية، مما ساهم في زيادة الإنتاجية وتقليل الوقت المستغرق لاتخاذ القرارات (Brown, 2016).
من استخدموا نظرية المنظمات التيل
الشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا
تم تبني مفهوم التيل بشكل بارز في شركات التكنولوجيا الناشئة مثل Buurtzorg في هولندا، وهي شركة رعاية صحية تقدم نموذجاً يعتمد على الفرق الصغيرة المستقلة التي تدير نفسها بالكامل دون إشراف هرمي تقليدي (Buurtzorg, 2015). تجدر الإشارة إلى أن نجاح Buurtzorg في تحسين جودة الرعاية الصحية وتخفيض التكاليف قد تم توثيقه في عدة دراسات، مما جعلها نموذجاً يحتذى به في تطبيق مبادئ التيل (Wolfswinkel et al., 2018).
المؤسسات الكبرى
لم يقتصر تطبيق المنظمات التيل على الشركات الصغيرة أو الناشئة فقط؛ فقد قامت بعض المؤسسات الكبرى بتجربة هذه النماذج على نطاق ضيق بهدف إعادة هيكلة بعض أقسامها. على سبيل المثال، قامت شركة ING في هولندا بإطلاق برامج لتحويل وحدات العمل إلى نماذج تيل، مما ساعدها على تحقيق مرونة أكبر في اتخاذ القرارات وتحسين تفاعل الموظفين مع المستويات الإدارية المختلفة (ING Annual Report, 2017).
القطاعات الخدمية والرعاية الصحية
تمت دراسة تطبيقات المنظمات التيل أيضاً في القطاع الصحي. تُظهر تجارب مثل تلك الخاصة بمراكز الرعاية الصحية المستقلة أن اعتماد نهج التيل يساهم في تحسين جودة الخدمات وتخفيض نسبة الأخطاء الطبية، بالإضافة إلى تعزيز رضا العاملين في القطاع الصحي (Nicolini, 2017).
النتائج والتجارب السابقة
تحسين الأداء والإنتاجية
تشير الدراسات إلى أن تطبيق مبادئ المنظمات التيل يؤدي إلى تحسين ملحوظ في أداء الفرق وإنتاجيتها. فقد أظهرت إحدى الدراسات أن الفرق التي تعمل بنظام الإدارة الذاتية تتمتع بمعدلات أعلى من الابتكار وحل المشكلات مقارنةً بالفرق التي تعمل في بيئة هرمية تقليدية (Laloux, 2014؛ Brown, 2016).
تعزيز الرضا الوظيفي
تُظهر الأدلة أن تبني مبادئ الكمال داخل المنظمات يؤدي إلى زيادة رضا الموظفين. إذ يتم تشجيع الموظفين على إظهار جوانبهم الشخصية، مما يعزز من روح الانتماء ويقلل من مستويات الإجهاد النفسي (Ruiz, 2015). هذا التغيير في الثقافة المؤسسية أدى إلى خلق بيئة عمل أكثر دعمًا وتعاوناً، مما ينعكس إيجاباً على أداء المنظمة ككل.
تحديات تطبيق نموذج التيل
على الرغم من الإيجابيات العديدة، فإن تطبيق نموذج التيل ليس خالياً من التحديات. أحد أبرز التحديات هو مقاومة التغيير من قبل الموظفين والمديرين الذين اعتادوا على الهياكل التقليدية. كما أن الانتقال إلى نظام يعتمد على الإدارة الذاتية يتطلب وقتاً وجهداً لتدريب الفرق وتعديل العمليات الداخلية (Wolfswinkel et al., 2018). كذلك، تحتاج المنظمات التي ترغب في تطبيق هذا النموذج إلى وضع آليات واضحة لضمان التنسيق والتواصل بين الفرق المختلفة.
التجارب العالمية
من التجارب البارزة التي يمكن الاستفادة منها، نجد تجربة شركة Buurtzorg، التي نجحت في إعادة هيكلة نظام الرعاية الصحية من خلال تطبيق مبادئ الإدارة الذاتية. وُلد هذا النموذج نتيجة لملاحظة الحاجات المتغيرة للمرضى وللموظفين على حد سواء، مما جعلها تضع مبدأ الكمال والهدف التطوري في قلب نظامها التنظيمي (Buurtzorg, 2015).
النماذج الممكن اعتمادها
يمكن تبني عدة نماذج في إطار تطبيق مبادئ المنظمات التيل، منها:
- النموذج اللامركزي للإدارة (Decentralized Management Model):
يعتمد على توزيع السلطة واتخاذ القرار بين الفرق الصغيرة. يُعد هذا النموذج مثالياً للشركات التي تسعى لتفويض أكبر للموظفين وزيادة سرعة اتخاذ القرارات (Laloux, 2014). - النموذج التجريبي (Experimental Model):
يتضمن اختبار نماذج تجريبية في وحدات محددة قبل تطبيقها على نطاق أوسع داخل المنظمة. يسمح هذا النهج بتحديد النقاط القوية والضعف وإجراء التعديلات اللازمة بشكل تدريجي (Ruiz, 2015). - النموذج الاندماجي (Integrated Model):
يُدمج مبادئ التيل مع النماذج التقليدية، بحيث يتم تبني الجوانب الإيجابية من كل نموذج لتوفير نظام يتماشى مع ثقافة المنظمة وحاجاتها الفريدة (Brown, 2016). - النموذج الموجه بالهدف (Purpose-Driven Model):
يركز هذا النموذج على تحقيق هدف تطوري يتغير بمرور الزمن، مما يساعد المنظمة على الابتعاد عن الروتين والتركيز على الإبداع والتجديد المستمر (Laloux, 2014).
كل نموذج من هذه النماذج يحتاج إلى تحليل دقيق للبيئة المؤسسية والثقافة الداخلية للمنظمة، وذلك لضمان نجاح التطبيق وتحقيق الأهداف المرجوة.
الاستفادة من المنظمات التيل في شركة "جوجان"
تعزيز الابتكار وتطوير المنتجات
يمكن لشركة "جوجان" الاستفادة من مبادئ التيل في تعزيز بيئة العمل المبتكرة. من خلال تطبيق نظام الإدارة الذاتية، يمكن للموظفين العمل على تطوير أفكار جديدة وتحسين المنتجات والخدمات بشكل مستمر دون انتظار موافقة الإدارة العليا. هذا النهج يمكن أن يؤدي إلى تسريع عملية الابتكار وتحسين التنافسية في السوق (Brown, 2016).
تحسين رضا العملاء
تطبيق مبدأ الكمال يمكن أن يساهم في خلق بيئة عمل صحية تشجع الموظفين على تقديم أفضل ما لديهم. عندما يشعر الموظفون بأنهم جزء من مجتمع متكامل وداعم، ينعكس ذلك إيجاباً على طريقة تفاعلهم مع العملاء، مما يؤدي إلى تحسين مستوى الخدمة وزيادة رضا العملاء (Nicolini, 2017).
تطوير ثقافة الشركة
يمكن أن تساعد المبادئ التيل في إعادة تشكيل ثقافة شركة "جوجان" لتكون أكثر انفتاحاً وشفافية. من خلال تشجيع الموظفين على إظهار جوانبهم الشخصية والتعبير عن آرائهم بحرية، يتم بناء ثقافة قائمة على الثقة والتعاون، مما يعزز من الولاء والارتباط بالشركة (Ruiz, 2015).
تخفيض التكاليف وزيادة الكفاءة
أظهرت الدراسات أن تطبيق نظام الإدارة الذاتية يمكن أن يقلل من البيروقراطية الداخلية ويقلل من التكاليف المرتبطة بالطبقات الإدارية التقليدية. يمكن تحقيق ذلك من خلال اعتماد نماذج توزيع السلطة التي تتيح للفرق اتخاذ القرارات بشكل أسرع وأكثر كفاءة، مما يؤدي إلى تحسين الأداء المالي والعملي للشركة (Wolfswinkel et al., 2018).
توقعات وتحديات التطبيق في "جوجان"
من المتوقع أن يؤدي تطبيق مبادئ التيل إلى نتائج إيجابية في شركة "جوجان"، لكن يجب مراعاة بعض التحديات:
- مقاومة التغيير: قد يواجه الموظفون والمديرون تحديات في التكيف مع النظام الجديد، مما يتطلب برامج تدريبية وتوعية مستمرة.
- ضمان التنسيق والتواصل: تحتاج الشركة إلى وضع آليات تضمن تواصل الفرق بشكل فعال لتفادي حدوث فجوات في المعلومات.
- تحقيق التوازن بين الحرية والمسؤولية: يجب على "جوجان" وضع ضوابط تساعد في توزيع السلطة مع ضمان المسؤولية المشتركة لتحقيق أهداف الشركة.
التوقعات المستقبلية
تطور مفهوم المنظمات التيل
من المتوقع أن يشهد مفهوم المنظمات التيل تطوراً مستمراً مع التقدم التكنولوجي وتغير بيئات العمل. ستظهر تقنيات جديدة لتعزيز التعاون وتسهيل اتخاذ القرارات، مما قد يجعل تطبيق مبادئ التيل أكثر سلاسة وكفاءة. كما أن تبني هذه النماذج سيساهم في تحسين الأداء العام للمؤسسات وتوفير بيئات عمل محفزة للإبداع (Laloux, 2014؛ Brown, 2016).
تأثيرها على ثقافة العمل العالمية
يمكن أن يؤدي انتشار نماذج التيل إلى تغيير جذري في ثقافة العمل على مستوى العالم، حيث سيصبح التركيز على التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، وتعزيز القيم الإنسانية في بيئة العمل. ستساهم هذه التغييرات في خلق بيئة عمل أكثر استدامة ومرونة، مما يمكن المؤسسات من مواجهة التحديات المستقبلية بفعالية أكبر (Ruiz, 2015).
فرص التعاون والتعلم المشترك
ستتيح بيئات التيل فرصاً أكبر للتعاون بين المؤسسات، حيث يمكن تبادل الخبرات والتعلم المشترك من التجارب الناجحة. هذا التعاون سيساهم في رفع مستوى الكفاءة عبر القطاعات المختلفة، مما يعزز من الابتكار ويخلق فرصاً جديدة للنمو الاقتصادي والاجتماعي (Wolfswinkel et al., 2018).
أثر التحول الثقافي على رضا الموظفين
من المتوقع أن يؤدي التحول إلى نماذج التيل إلى زيادة ملحوظة في رضا الموظفين واستقرارهم الوظيفي. البيئة التي تشجع على إظهار الذاتية وتحمل المسؤولية المشتركة ستخلق مناخاً عمل إيجابياً، مما يقلل من مستويات التوتر والضغط النفسي، ويعزز من الإنتاجية والإبداع (Nicolini, 2017).
الخلاصة
يُظهر البحث أن المنظمات التيل تمثل نموذجاً متقدماً في تطور الهياكل التنظيمية، يقوم على مبادئ الإدارة الذاتية، والهدف التطوري، والكمال. هذه المبادئ أثبتت جدواها من خلال تجارب ناجحة في شركات مثل Buurtzorg وING، وأسهمت في تحسين الأداء والإنتاجية ورفع مستوى رضا الموظفين.
بالنسبة لشركة "جوجان"، يمكن أن يكون تبني هذا النموذج خطوة استراتيجية هامة لتعزيز الابتكار وتحسين ثقافة العمل، مع ضرورة مراعاة التحديات المحتملة مثل مقاومة التغيير وضمان التنسيق بين الفرق. ومن المتوقع أن يساهم التحول إلى نموذج التيل في تحقيق نتائج إيجابية على المدى الطويل، سواء من حيث الأداء المالي أو تحسين جودة الخدمة المقدمة للعملاء.
تجدر الإشارة إلى أن تطبيق هذه النماذج يتطلب تخطيطاً دقيقاً وبرامج تدريبية مستمرة لضمان الانتقال السلس وتحقيق الاستفادة القصوى من المبادئ التي يعتمد عليها نموذج التيل. ومن هنا، يجب على الشركات الراغبة في تبني هذا النهج القيام بدراسات جدوى شاملة وتطبيق تجريبي قبل التعميم على نطاق أوسع، مما يضمن تحقيق الأهداف التنظيمية دون فقدان العناصر الأساسية التي تميز هذا النموذج.
قائمة المراجع
- Laloux, F. (2014). Reinventing Organizations: A Guide to Creating Organizations Inspired by the Next Stage of Human Consciousness. Nelson Parker.
- Buurtzorg. (2015). Annual Report Buurtzorg. Buurtzorg Nederland.
- Brown, A. (2016). The Impact of Self-Management on Organizational Innovation. Journal of Organizational Change Management, 29(5), 789-805.
- Ruiz, M. (2015). Decentralized Organizations: Overcoming the Limits of Hierarchical Models. Management Science Review, 21(2), 123-139.
- Wolfswinkel, J., Furtmueller, E., & Wilderom, C. (2018). Structuring Self-Managed Teams: A Multiple Case Study of Self-Management Practices in Professional Service Firms. European Management Journal, 36(3), 357-367.
- Nicolini, D. (2017). Practice Theory, Work, and Organization: An Introduction. Oxford University Press.